هي الكلمات لا تأتي وقتما أردنا... منذ مدة و
فكرة الكتابة تنديدا بواقع الفساد ب"تمنار" تراودني... اليوم أكتب لأن
ماحدث فجر بركاناً كان يغلي بدواخلي ! ... "تمنار" هي مسقط رأسي،
بها ولدت و درست حتى اخر سنة بالاعدادية (94ـ 95)...والدي حينذاك كان مدرسا في
التعليم الابتدائي، و استقر بنفس القرية منذ أوائل الستينات، بعد استقرار عائلته
بها أيام الاستعمار الفرنسي، ...بعد تقاعد والدي هاجر
القرية،و أنا كذلك بحكم دراستي... كنت أذكر أنه رغم أن تمنار كانت مجرد قرية، لكن
طفولتنا بها كانت سعيدة... دار الشباب كانت تأوي من كان لايعرف ما يفعله
بوقته الفارغ، بها تعلمت لعب الكرة الطاولة، لعب الشطرنج، كانت بها خزانة و قاعة
المطالعة.... بدار الشباب كنا نتعلم المسرح أيضا... الاعدادية آنذاك كانت رمزا
للتعليم و التربية و الفنون الجميلة، بها كانت تُنظم مسابقات ثقافية و رياضية
غالبا كل أسبوع... كانت هناك فرقة مسرحية، و شاركنا في المهرجان الوطني للمسرح المدرسي
عدة سنوات و فزنا بجوائز عدة...بتمنار كان ينظم مهرجان وطني لشجرة الاركان...بقرية
المهرجان و على خشبة مسرحها رأيت "لطيفة رأفت"، "محمد
الحياني"... و آخرون وأنا تلميذ في الابتدائي... بقرية المهرجان كانت هناك
خزانة كانت ملاذي... بها قرأت قصصا بالعربية و الفرنسية... بتمنار كان هناك ملعب
بلدي، و فريق لكرة القدم تدربت معه مرارا و تكرارا... حتى القرية كان لها اشعاع
وطني و جهوي ... كانت أياما جميلة اليوم حينما أعود لتمنار أجدها متسخة، كل شيء
يعود الى الوراء لاجدني في مكان لا اعرفه.... دار الشباب تم اغلاقها و أصبحت
مرحاظا تفوح منه رائحة العفونة، ربما هي أقل من رائحة الفساد التي تفوح من
المجلس البلدي؛ الملعب لم يُرمم منذ سنين، و قرية المهرجان التي استقبلت المع
الفنانين المغاربة على خشبة مسرحها أُغلقت، ليحتفظ المكان بأطلال يوما ما سيدفنها
التاريخ... حال القرية مثل الخزانة البلدية التي اختفت... القرية متسخة، فيكفي
التجول بسوقها الاسبوعي لملاحظة ذلك و ما يكتزنه الواد المار بوسط القرية من اوساخ
و عفونة... هي تمنار التي تسير الى الوراء وسط عالم يتقدم، لكن من الطبيعي ان يكون
مآلها كما هو الآن مادام تسيير شأنها قد وكّل الى اناس هم أول من تفوح منهم رائحة
التخلف و الامية و الفساد. منذ سنين و القرية يحكمها نفس الاشخاص، واحد مستشار
برلماني لا يعرف حتى كتابة اسمه، و المجالس الجماعية المجاورة يُورثها لابنائه و
افراد عائلته... "لوبي" لاهم له سوى مصالحه الشخصية، فمن غير المنطقي،
أن يتراجع حال القرية على ماكانت عليه بعد أزيد من عشرات السنين رغما أنها تملك
ميزانية و مداخيل لا علم للساكنة بمآلها !اليوم أكتب عن حال تمنار لانني اشعر
بالغضب و قتما زرتها، و لان أطفالا صغارا أرادوا أن ينظموا يوما ثقافيا و تم
حرمانهم من استغلال خشبة المسرح بقرية اركان، كما جاء على لسان أحد السكان:
السلطات المحلية والقائمون على الشأن المحلي بتمنار يمنعون نشاطا تربويا ترفيهيا
،من تنظيم جمعية أجيال للطفوفة والشباب وتأطير نخبة وازنة من رجال التربية
والتعليم ، فبعدما رخصت الجهات المعنية للجمعية لتنظيم صبيحة ترفيهية تشمل فقرة
ألعاب البهلوان ومسابقة للرسم حول موضوع حماية البيئة ولوحات فنية من انجاز تلاميد
المؤسسات التعليمية فوجئ المنظمون باغلاق فضاء قرية المهرجان لأسباب مجهولة ،
وأمام التوافد الغفير للتلاميذ وأولياء أمورهم القادمين من مختلف الدواوير
المجاورة اضطر المنظمون الى تقديم بعض فقرات هذا النشاط أمام قرية المهرجان ، هذا
الاجراء التعسفي اللامسؤؤل خلف استياء عميقا في نفوس الناشئة وكذا أولياء أمورهم.
"هنا أتساءل : أين نحن ؟مايحدث ليس له علاقة بدولة الحق و القانون ! حتى
الاطفال لم يسلموا من الظلم و الاستبداد... هذا اغتصاب للطفولة في بلادنا ... هذا
حرمان و اضطهاد... أين المحاسبة ؟ حال تمنار يعود الى الوراء و لم نر قط لجنة
تفتيش نازهة بالمجلس البلدي، رغما أنه مجلس خروقات و فساد ؟ كيف تُصرف الميزانية و
المداخيل بهذه البلدية ؟ كيف لمنشآت تربوية و ثقافية أن تُغلق في وجه أطفال أبرياء
؟ ...الموت لكم أيها الظالمون الفاسدون ! ... و أتمنى أن يُحاسب كل واحد اقترف
ذنبا في حق هذا الشعب !
صوت وصورة
الرئيسية | قضية وآراء | تمنار... فساد و طفولة مغتصبة ! ـ بقلم رشيد امين
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).